الهيئة الوطنية للنزاهة تكشف استفحال الفساد في القطاع الخاص والراشدي لـ "الصحيفة": الفساد يتفشى عندما تكون الظروف مواتية
تفجّرت بؤرة الفساد في القطاع الخاص بصفة غير مسبوقة خلال السنتين الأخيرتين، وفق الأرقام الرسمية الصادمة التي أفرجت عنها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وهي تتحدث عن استمرار التصور السلبي لوضعية الفساد في المغرب، وتفشيه في القطاع الخاص ليبلغ حوالي 68 في المائة، مقابل تراجع نسبة التبليغات وشكاوى الفساد في هذا القطاع، التي باتت لا تتجاوز 6 في المائة فقط.
هذه الأرقام قدمتها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في عرض قدمه رئيسها محمد بشير الراشدي، على هامش افتتاح الاجتماع السنوي لشبكة منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للنزاهة في عالم الأعمال، والذي تحتضنه العاصمة الرباط على مدار يومي 2 و3 يوليوز الجاري، ويعقد للمرة الأولى خارج مقر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس، بحضور البنك الدولي، تحت شعار "الحوار الشامل والالتزام الجماعي لصالح مكافحة الفساد وتحقيق التنمية المستدامة".
وجاء في العرض المرئي الذي قدمه الراشدي صباح اليوم الثلاثاء، بحضور ممثلي العديد من الدول، وبمشاركة منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (MOBIN)، أن 45 في المائة من الشركات التي تم استجوابها ضمن مسح الهيئة، الذي يهدف إلى قياس مدى ورصد تطور آفة الفساد في المغرب، والذي يغطي القطاع الخاص لأول مرة، بهدف تحليل ظاهرة الفساد برمتها، أفادت بأن السنتين الأخيرتين شهدتا ارتفاعا غير مسبوق لآفة الفساد، فيما يعتقد 27 في المائة أنها انخفضت.
وبالنسبة لحوالي 72 في المائة من المواطنين المغاربة، و65 في المائة من مغاربة الخارج، و68 في المائة من ممثلي الشركات والمقاولات، المستجوبين ضمن النسخة الثانية من المسح الوطني حول الفساد، الذي استهدف حوالي 1100 شركة في الفترة ما بين 2 ماي 2023 و3 غشت 2023، من أجل التعرف على مصادر الفساد الذي تواجهه الشركات في المغرب، بهدف تعزيز السياسات والآليات الفعالة لمواجهتها، (بالنسبة لهم)، الفساد تفشى في القطاع الخاص بحوالي 68 في المائة، 43 في المائة منهم يعتقدون أن الفساد اتسع بشدة وبلغ المستوى الأحمر، فيما يرى 25 في المائة منهم أن الفساد منتشر بكثرة وهو في مستواه الأصفر.
وأقرت 23 في المائة من المقاولات والشركات الخاصة المستجوبة، ضمن استطلاع المؤسسة الدستورية، بأنهم واجهوا على الأقل واحدة من مظاهر الفساد في غضون 12 شهرا الأخيرة. بالنسبة لهم، أكثر المجالات التي يصادفون فيها استفحال مظاهر الفساد هي التراخيص والأمور البيروقراطية وما هو مرتبط بالصفقات، والعمالة أو مناصب الشغل.
ونبهت الهيئة أيضا في عرضها الذي قدمته صباح اليوم الثلاثاء، على هامش الاجتماع السنوي لشبكة منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لنزاهة الأعمال لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى أن المغرب يواجه تحديا آخر مستعصيا وهو مسألة التبليغ عن الشكاوى والفساد في المقاولات والشركات والقطاع الخاص عموما، وهو ما يفسره عدم تجاوز نسبة التبليغات 6 في المائة، فيما لا يتجاوز مستوى الإدانة 3 في المائة.
وفي تصريح لـ "الصحيفة"، قال البشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، إن الفساد لا يعرف قطاعا عاما أو خاصا، بل يتفشى عندما تكون الظروف مواتية، وهو ما يعني أن هذه الأرقام والمعطيات يجب أن تترجم عمليا من خلال تعزيز الأخلاق والنزاهة والوقاية من الفساد في عالم الأعمال. لافتا إلى أنه ومن أجل مواجهة تحديات هذه المعركة بنجاح، بات التزام القطاع الخاص أمرا ضروريا، وهو ما أدركه هذا القطاع منذ أزيد من ربع قرن من خلال عدة مبادرات وبأشكال مختلفة خاصة بالقطاع الخاص وفي إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، التي اكتسبت نضجا في حينه من خلال التجارب والمراحل التي مرت بها هذه الشراكة.
وأشار الراشدي إلى أن المغرب ووعيا منه بأهمية تضافر جهود كافة القطاعات، عمل على إشراك القطاع الخاص في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في المناقشات المتعلقة بإعداد النص المنظم لأول هيئة مركزية للوقاية من الفساد في المغرب (ICPC)، ولم يكن ممثلا فيها فحسب، بل إن الرئيس الذي تم تعيينه على رأسها جاء أيضا من القطاع الخاص.
وشدد المسؤول المغربي، على أن إشراك القطاع الخاص بقوة في تطوير ورصد الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، اعتبارا من عام 2012، من خلال مشاركته الفعالة في عملية تطوير الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد من مرحلة التشخيص إلى صياغة الاستراتيجية وأولوياتها، ثم المرحلة النهائية، وإشراك الاتحاد العام لمقاولات المغرب كعضو في CNAC، المسؤول عن تنسيق البرنامج 8 المخصص لعالم الأعمال، "مسألة جد مهمة وأساسية في مسار محاربة الفساد والوقاية منه"، مع العلم أن تنسيق البرامج التسعة الأخرى عهد به إلى الوزراء.
وأشار المتحدث إلى خطوة هيكلة التجربة مع القطاع المالي، من خلال اتفاقية شراكة بين INPPLC والجهات التنظيمية الثلاثة، وهيكلة الإجراءات القطاعية للوقاية من الفساد ومكافحته، من خلال تطوير الهيئات الإشرافية للقطاع المالي (البنوك، التأمين، أسواق رأس المال) بمساعدة الهيئة لنهج عالمي لمكافحة الفساد. فيما التجربة الثالثة تم تنفيذها في إطار اتفاقية الشراكة بين الهيئة والجهات التنظيمية الثلاثة للقطاع، وهي البنك المركزي وهيئة تنظيم التأمين وهيئة أسواق الرساميل.
من جهة ثانية، أكد الراشدي في تصريحه لـ "الصحيفة"، أن هذا الاجتماع المنظم في المغرب يهم إطلاق الاستراتيجية التي تم وضعها خلال الثلاث سنوات من طرف شبكة "موبين" التي تضم الممثلين والمتدخلين في مكافحة الفساد ببلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وفي هذه المرحلة، ذهبت الشبكة وفق رئيس الهيئة في سياق الانفتاح كذلك على بلدان جديدة من أفريقيا جنوب الصحراء للمساهمة في أشغال الشبكة. لافتا إلى أن العرض الذي تم تقديمه "هو خارطة الطريق التي سيتم العمل عليها ابتداء من هذه السنة بهدف أن يكون إلماما بخرائطية المخاطر في قطاعات متعددة في القطاع الخاص وتطوير مقاربات أكثر فاعلية تجعل المحافظة على خلق الثروة بكيفية تكون شفافة وتعطي الرؤية على المدى البعيد للمستثمرين".
وتشكل شبكة نزاهة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (MOBIN) التي تأسست في عام 2011 كجزء من برنامج التنافسية لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إطارا يفضي إلى الحوار الإقليمي بين الشركات والمجتمع المدني والموظفين العموميين في مكافحة الفساد بهدف تعزيز مكافحة الفساد وتعزيز ثقافة النزاهة في الأعمال التجارية.
وتضم الشبكة 18 عضوا من منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وهم الجزائر، البحرين، جيبوتي، مصر، العراق، الأردن، الكويت، لبنان، ليبيا، موريتانيا، المغرب، عمان، السلطة الفلسطينية، قطر، المملكة العربية السعودية، تونس، الإمارات العربية المتحدة، واليمن.
وتطمح هذه الشبكة إلى تعزيز النزاهة في المجال الاقتصادي كقضية مركزية لتنمية اقتصادات أكثر تنافسية وانفتاحا يكون فيها النمو والفرص مستدامة وموزعة بشكل عادل.
ومع استثناء واحد، فقد صادقت جميع بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد UNCAC، وبالتالي فهي ملزمة بتنفيذها. وتستخدم العديد من دول المنطقة أيضا اتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن مكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية كمقاييس مرجعية، بالإضافة إلى توصية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تهدف إلى تعزيز مكافحة رشوة المسؤولين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية في عام 2021. وعلى المستوى الإقليمي، ظهرت أيضا أدوات مكافحة الفساد، وفي مقدمتها اتفاقية الاتحاد الأفريقي لمنع الفساد ومكافحته، والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، ومؤخرا اتفاقية مكة المكرمة للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.
وعلاوة على ذلك، شهدت الدورة العاشرة للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي انعقدت في ديسمبر 2023، اعتماد 11 قرارا بتوافق الآراء، من بينها القرار الذي قدمه المغرب حول "رصد إعلان مراكش للوقاية من الفساد"، فضلا عن نشر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة "إعلان الرباط"، لصالح تعزيز تدابير الوقاية من الفساد من أجل آفاق جديدة للتنمية والعدالة والاستقرار.